الإعلام والصحافة في مهب التضليل
مالك العثامنة
أسوأ مصطلح انتشر مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وثورة تكنولوجيا المعلومات هو “المواطن الصحفي”، وما تفرع عنه من مصطلحات خلقت مجموعة من المهن الافتراضية في عالم افتراضي مثل “محلل سياسي” و “خبير استراتيجي” ومشتقات اصطلاحية قريبة من ذلك كله.
هل يجرؤ أحد ان يدعي انه “المواطن المهندس” او “المواطن الطبيب” مثلا؟
الصحافة مهنة لها أدواتها المعرفية والعلمية، وهي من المهن التي تعتمد أيضا على الخبرة وتراكمها في المسيرة المهنية، تلك الخبرة التي تبني الحدس المطلوب وتقويه. الكتابة التحليلية أيضا قائمة على أدوات معرفية وكثير كثير من الجهد للحصول على المعلومة التي كلما توفرت كان التحليل سليما.
ليس في الأمر ضرب في الرمل، ولا تنبؤات فلكية وبالتأكيد لا يمكن تسمية ما نقرأه على وسائل التواصل الاجتماعي “تحليلات” ولا حتى قراءات موضوعية فهي ليست أكثر من تمنيات وأمنيات مبنية على مزيج من مواقف مسبقة ومعلومات مضللة أو غير صحيحة تختارها الأمزجة لا أكثر.
في سلسلة الأحداث الأخيرة ومع زخمها المتلاحق والمتسارع، كانت وسائل التواصل الاجتماعي متخمة بكل هؤلاء المدعين في مهنة الصحافة أو مهنة الكتابة الصحفية بلا أي سند معلوماتي أو خبرة معرفية، مجرد بحر متلاطم الأمواج من الأمنيات والتمنيات والأمزجة المتناقضة تحركها الأهواء والمواقف العاطفية المسبقة.
هذا ليس أمرا بسيطا لنتركه يمر هكذا، فتأثيره صار خطيرا على تشكيل وصياغة الرأي العام الذي يمثله “المتلقي”، والمتلقي يبحث عن تفسيرات لكل ما يحدث، وأمام غياب المنطق المعلوماتي وحضور طاغ للتمنيات وتراكم الخيبات تصبح غرف التضليل مصدرا وحيدا لتشكيل الرأي وصياغته بل وترسيخه كمسلمات ستنهار دفعة واحدة وبشكل قاس أمام شراسة الواقع الذي لم يتحدث عنه أحد.
الحرب اليوم – مثل كل التاريخ الذي مضى- فيها أبعاد نفسية، واستهداف الرأي العام وتهشيمه هدف مهم لأي عدو يتقن اللعبة النفسية، والفراغ في المعلومة لا يقضي عليه إلا حضور مهنة الإعلام بكامل ألقها الاحترافي بكامل طواقمها المحترفة، وللأسف هذا غير موجود في المشهد الأردني الذي سادت فيه وسيطرت دكاكين الابتزاز الإعلامي وأدعياء المهنة والتحليل المضلل والجهل الذي غلفه أصحابه بثقة زائدة في الأوهام التي يروجون لها.
الفرق اليوم، ان المعلومة – أيا كانت- لها سرعة انتشار تقاس بالثانية، سرعتها ضوئية قادرة على الانتشار السريع جدا، والتفاعلية في الفضاء الافتراضي تسمح للجهل ان ينتشر عبر البناء على التضليل بتضليل إضافي يجود به المعلقون وقد غابت الحقائق والمهنة الصحفية والتحليل المعلوماتي السليم الخالي من أي عواطف وأمنيات وأمزجة هوائية.
هذا كله بحاجة إلى تنظيم، والتنظيم لا يعني أبدا قمع الدفق المعلوماتي، بل تنظيم وإدارة الحركة فيه ليتلاشى الغث ويبقى المنطق المبني على الحقائق، والحقائق فقط بدون هوس التمنيات.