معركة الأحزاب والأحباب
فايز الفايز
يبدو أن معركة الانتخابات قد بدأت ماكينتها على عجل، وبغض النظر عمن انخرط في العمل الحزبي المتضعضع أو عبر روافع شعبية تحاول الوصول إلى قبة البرلمان، فإن الصولجان الذي أراده البعض ليقبض على سدة المقعد الأعلى باتت هذه المحاولة بالفشل، ولكن السؤال الذي يطرحه غالبية المواطنين هو ماذا سيعني لنا وصول فلان أو فلانه للقبة، رغم خروج النواب المخضرمين خارج لعبة الروليت الروسي، ليتلقف المتنافسين الجدد الطلقة تحت أسنانهم، ومع ذلك فهناك شخصيات ثقاة مارسوا العمل الحزبي ومن الممكن أن يبدأوا في التغيير الحقيقي لمعنى النيابة كتشريع ورقابة، لا مشيخة وربابة.
هل يعقل أن يكون لدينا ما يصل إلى أربعين حزباُ جديداً، فيما الولايات المتحدة الأمريكية لديها حزبين أحمر وأزرق، أو لنقل «الثور والحمار» موزعين على أكثر من ثلاثة وثلاثين مليون مواطن، وغيرهم من الدول العظمى لا يتعدى أعداد الأحزاب عن خمسة أو ستة أحزاب، وجميعهم يتنافسون كأضداد وعلى برامج سياسية وكل ما نراه من تغيير في أوروبا وفوز اليسار جاء لخدمة المواطنين والضغط على حكوماتهم للمزيد من النفع العام ولمواطنيهم، ولا ننسى أن هناك آليات لدعم المرشحين علنا وليس بالخفاء أو شراء الذمم والأموال السوداء.
إذا فإن ما يجري للأسف من تهافت التهافت على شراء الذمم، كما صرحت المصادر القضائية وتوقيف تسعة حالات منسوب إليها دفع رشى وأموال و استمالة إرادة الناخبين عبر ثمان سنين خلت، فإن هذا أمرّ شائن، أفكل من عبأ جيبه بالدنانير كي يقفز ترفيعا، بلا سند ولا سيرة عملية واحترافية أوعمل حزبي واعٍ، فهذه جريمة يحاسبون عليها، وكم رأينا في سوات بعيدة كيف استغل البعض الوصول لقبة البرلمان كي يخدم مصالحه، بينما الكثير من النواب الآخرين يلهثون يومياً كي يرضوا ناخبيهم أو مناطقهم وهناك من نواب النخبة لا يدق على أبوابهم أحد منهم، فقط لغايات «البرستيج».
وبالعودة إلى الأحزاب، وإن كانت القصة قديمة، فإن الرموز التي قادت دورا كبيرا منذ أربعينات وخمسينات القرن الماضي قد اعتمدت على الناخبين ومثلهم من الحزبيين، ولا تزال أسمائهم وسمعتهم يتداولها المجتمع العجوز وكم من شخصية لا تزال حية أكانت في الحكومات أو القضاء أو المشايخ.
و للذكرى فقط اجتمع جلالة الملك مع رؤساء وأمناء الأحزاب قبل عشر سنوات خلت، وطلب منهم أن يتوصلوا بتفاهم للحد من تشرذم الأحزاب، وكان بينهم حزب لا يدخل مكتبهم أحد، وأشار الملك ضرورة تقليص عدد الأحزاب ورفع شأن العمل الحزبي، وهناك استعد أحدهم وهو رجل دولة مخضرم،وقد رحل عن دنيانا، وقال أنا أول واحد أحلّ الحزب ونبدأ بالتشاور، ولكن المهمة لم تسند لأحد منهم، بل تزايدت أعداد الأحزاب ويأتيها طعامها كل عام دون أن تفعل شيئاً.
لذلك فإن كثرة الأحزاب والتزاحم على القطوف العالية لن تكون مكسباً، فلسنا أمريكا ولا بريطانيا ولا أوروبا ولا شرق آسيا، و بعد، لا ندري أخيرٌ جاءنا أم غير ذلك، فالبرلمان يحتاج إلى رجال مخضرمين يعون حساسية الوضع في هذا البلد الطيب وأهله الأطياب الذين صبروا وكافحوا ليبقى وطنهم ملاذا آمنا للجميع.