الرقائق الإلكترونية نفط المستقبل .. ما مكوناتها؟ وكيف تعمل؟
أخبار حياة- تسبّب نقص الرقائق في إحداث دمار في العديد من الصناعات، لذلك تبذل الولايات المتحدة جهودا واضحة للاستثمار في صناعة أشباه الموصلات التي يعدّها البعض “النفط الجديد”.
وتدخل رقائق الحاسوب في الصناعات المختلفة، ابتداء من الهواتف الذكية وأفران المايكرويف إلى السيارات والصواريخ والطائرات.
ونقل تقرير نشره موقع “فوكس” (Fox) عن بات غيلسنجر، الرئيس التنفيذي لشركة “إنتل” (Intel)، قوله إن الرقائق “حاسمة لكل جانب من جوانب الوجود البشري”، وأضاف “كل شيء أصبح رقميا أكثر فأكثر وكل شيء رقمي يعمل بأشباه الموصلات. لذلك، هذا أمر بالغ الأهمية لكل جانب من جوانب الوجود البشري. احتياطيات النفط حددت الجغرافيا السياسية على مدى العقود الخمسة الماضية، ووجود سلاسل توريد التكنولوجيا وأشباه الموصلات سيحدد الجغرافيا السياسية للأعوام القادمة”.
ولكن ما الرقائق الإلكترونية؟ ومم تتكون؟
الرقائق الإلكترونية قطع صغيرة مصنوعة من السيليكون، يتم تغليفها في حاوية من البلاستيك أو الخزف تسمى الحزمة، وتعمل الرقائق الإلكترونية على تضخيم الإشارات الكهربائية، أو تعمل كمفتاح تشغيل/إيقاف في تطبيقات الحاسب الآلي، ومن الممكن أن تكون الرقاقة عبارة عن ترانزستور واحد، أو دائرة متكاملة تضم مجموعة مترابطة من الترانزستورات.
والترانزستورات تعدّ أهم عنصر في الدائرة الإلكترونية، وتعمل كصمامات تسمح بتدفق التيار في اتجاه واحد، وتتكون الدائرة الإلكترونية من عناصر أخرى بجانب الترانزستورات مثل المكثفات والمقاومات، حيث تعمل المقاومات على توفير كمية محددة من المقاومة للتيار بينما تقوم المكثفات بتخزين الشحنة الكهربائية، وهناك عنصر في الدائرة الإلكترونية يعمل على تخزين الطاقة في شكل مجال مغناطيسي يسمى بالمحرّض.
وتتميز الرقائق الإلكترونية بأنها تحوي مجموعة من الأبواب الكهربائية التي يمكن التحكم فيها للسماح بتدفق التيار الكهربائي أو حجبه.
يتطلب تصنيع الرقائق الإلكترونية مصانع خاصة، وتبدأ عملية الإنتاج بتقطيع ألواح المواد إلى شرائح رقيقة، ثم تضاف العناصر الإلكترونية على سطح الشريحة باستخدام تقنية الطباعة بالضوء، وتُربط هذه العناصر معا باستخدام الأسلاك الرفيعة لإنشاء الدوائر الإلكترونية.
وعند تطبيق فولتية كهربائية على الرقاقة الإلكترونية، فإن التيار الكهربائي يتدفق عبر الأبواب الكهربائية، وذلك يسمح بتحويل الإشارات الكهربائية إلى تحركات للإلكترونات عبر المواد الشبه موصلة، وهذا يتيح للرقاقة الإلكترونية العمل وفق البرمجة المحددة وإنتاج الإشارات الإلكترونية اللازمة لعمل الأجهزة الإلكترونية المختلفة.
وتختلف الرقائق الإلكترونية في الحجم والتعقيد والتصميم والأداء، ويتطلب تصنيعها استخدام تقنيات حديثة ومتطورة، في عملية تتطلب مراقبة دقيقة لدرجة الحرارة والضغط وتركيز المواد المستخدمة، كما تتطلب إجراءات تنظيف وتحضير دقيقة للسطح قبل إضافة العناصر الإلكترونية.
بالإضافة إلى ذلك، تحتاج صناعة الرقائق الإلكترونية إلى تقنيات متطورة لاختبار وتحليل أدائها، حيث يتم إجراء عمليات اختبار دقيقة للرقائق الإلكترونية لضمان جودتها ومتانتها وموثوقيتها.
لذلك، تعد الرقائق الإلكترونية من الابتكارات المهمة في عالم الإلكترونيات، وتتمتع بأهمية كبيرة في تحسين أداء ووظائف العديد من الأجهزة الإلكترونية المتوفرة في السوق
تتكون الرقائق الإلكترونية من طبقات متعددة، وتصنع بواسطة آلات متطورة تسمى “معالجات الرقائق”، وتتم العملية في غرف خاصة بدرجات حرارة محددة وظروف نظافة عالية لضمان جودة الرقائق النهائية.
يشمل صنع الرقاقة الإلكترونية وضع طبقات متعددة من الدوائر الكهربائية، ويتم التحكم في ترتيب ووضع هذه الطبقات بشكل دقيق، وذلك لتوفير الميزات الإلكترونية المطلوبة.
ويكون توصيل الرقائق الإلكترونية بالأجهزة والأدوات الإلكترونية الأخرى باستخدام تقنية تسمى “ربط الأسلاك”، ويتم ذلك بتوصيل أسلاك نحاسية رفيعة بالرقاقة الإلكترونية، ثم توصيل هذه الأسلاك بالأجهزة الإلكترونية الأخرى.
المواد التي تتكون منها الرقائق الإلكترونية
تتكون الرقائق الإلكترونية من عناصر رئيسة، هي:
- الموصلات: وهي عناصر تتميز بقدرتها على تمرير التيار الكهربائي، مثل النحاس والألمنيوم.
- العوازل: وهي عناصر تتميز بعدم قدرتها على تمرير التيار الكهربائي، مثل البلاستيك والزجاج.
- شبه الموصلات: وهي عناصر تتميز بأنها ليست جيدة في تمرير التيار الكهربائي مثل الموصلات، ولكنها أفضل من العوازل في ذلك، مثل السيليكون.
ما سبب ندرة الرقائق الإلكترونية؟
يمكن تصنيف الرقائق الإلكترونية ضمن السلع النادرة نسبيا لعدة أسباب من بينها:
- تكلفة التصنيع: فتصنيع الرقائق الإلكترونية يتطلب استخدام تقنيات ومعدات متطورة ومكلفة، وهذا يجعل تكلفتها باهظة الثمن.
- الطلب العالمي: يزيد الطلب على الرقائق الإلكترونية من الدول المتقدمة تكنولوجيا، ويحدث هذا في الوقت الذي يشهد اتساعا في استخدام الرقائق الإلكترونية في العديد من الصناعات والتطبيقات، ومن ثم يؤثر هذا الطلب العالمي على توفر الرقائق الإلكترونية في الأسواق.
- الاعتماد على المواد النادرة: تحتوي الرقائق الإلكترونية على عدد من المواد النادرة مثل التنغستن والتانتالوم والكوبالت والغاليوم وغيرها، والتي تُستخرج من مناجم خاصة في بعض الدول، وهذا يجعل توفرها صعبا ويزيد من تكلفة الإنتاج.
ما الدول المشهورة في تصنيع الرقائق الإلكترونية؟
- الولايات المتحدة الأميركية: وتعدّ من الدول الرائدة في تصنيع الرقائق الإلكترونية، حيث تحظى بمجموعة كبيرة من الشركات والمصانع التي تعمل في هذا المجال، مثل شركة إنتل وشركة آبل.
- اليابان: قطاع تصنيع الرقائق الإلكترونية في اليابان كبير ومتطور، ويضم العديد من الشركات الكبيرة مثل شركة سوني وشركة توشيبا.
- كوريا الجنوبية: تنشط مجموعة من الشركات الكبيرة في صناعة الرقائق الإلكترونية بكوريا الجنوبية مثل شركة سامسونغ وشركة إل جي.
- تايوان: تنشط العديد في تايوان العديد من الشركات الناشئة والمتخصصة في صناعة الرقائق الإلكترونية، مثل شركة تايوان سيميكوندكتور وشركة تايوان ستار.
- الصين: تعدّ الصين من الدول الناشئة في صناعة الرقائق الإلكترونية، وتضم العديد من الشركات الكبيرة والناشئة في هذا المجال، مثل شركة هواوي وشركة شياومي.
ووفقا لبيانات من رابطة صناعة أشباه الموصلات، استثمرت الشركات الأميركية ما يقرب من 200 مليار دولار في 40 مشروعا منفصلا، مما أضاف ما يقدر بنحو 40 ألف وظيفة.
حرب الرقائق مع الصين
اشتدت حدّة حرب الرقائق بين الصين والولايات المتحدة مع استعداد بكين لإنفاق 143 مليار دولار لتعزيز التصنيع.
وإلى وقت قريب، كانت أميركا تصمم وتصنع أسرع الرقائق، وحافظت على ريادتها باعتبارها القوة العظمى رقم 1. لكنها بدأت تتراجع، ويقوّضها منافسون في تايوان وكوريا وأوروبا، وقبل كل أولئك الصين.
وتركت أميركا المكونات الرئيسة لعملية بناء الرقائق تفلت من قبضتها، فأسهم ذلك ليس فقط في نقص الرقائق في جميع أنحاء العالم، ولكن أيضا في حرب باردة جديدة مع الصين، وسيكون التحكم في تصنيع الرقائق في القرن الـ21 أشبه بالتحكم في إمدادات النفط خلال القرن الـ20، فيمكن للدولة التي تسيطر على هذا التصنيع خنق القوة العسكرية والاقتصادية للدول الأخرى.
ولعل أبرز الأمثلة على ذلك القيود التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في يونيو/حزيران 2020 على شركات أشباه الموصلات الخارجية التي تستخدم التكنولوجيا والمعدات الأميركية، وتحظر تلك القيود التصدير إلى شركة “هواوي” (HUAWEI) الصينية، وعلى رأس تلك الشركات المطالَبة بالالتزام بالحظر شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية “تي إس إم سي” (TSMC) المورد الرئيسي لهواوي في مجال الرقائق المتطورة، التي أضحت في وضع تنافسي صعب في سوق الهواتف الذكية ومعدات الشبكات.
وحاليا تمثل تايوان نحو 92% من الإنتاج العالمي لصناعة أشباه الموصلات بدقة أقل من 10 نانومترات، مما يجعلها المزود الرئيسي للغالبية العظمى من الرقائق التي تشغل أكثر الأجهزة تقدما في العالم، بدءا من هواتف “آيفون” (iPhone) لشركة “آبل” (Apple) وحتى الطائرات المقاتلة “إف-35” (F-35)، وحوالي 60% من الرقائق التي تصنعها شركة “تي إس إم سي” هي لشركات أميركية.
ووافق الكونغرس الأميركي في أغسطس/آب 2022 على مبلغ 52.7 مليار دولار لدعم تصنيع وأبحاث أشباه الموصلات، وكذلك وافق على منحة ضريبية استثمارية بنسبة 25% لمصانع الرقائق تقدر قيمتها بنحو 24 مليار دولار.
ويهدف التشريع إلى تحسين المنافسة مع الصين من خلال تعزيز التصنيع وسلاسل التوريد والأمن القومي في الولايات المتحدة، والاستثمار في البحث والتطوير والعلوم والتكنولوجيا.