الحكومة المقبلة ووجع الرأس
بلال العبويني
أغلب الظن أنه لم يبق أحد إلا وسأل عن الحكومة المقبلة أو قدم تصورا خاصا به لشكلها وشخوصها والملفات التي عليها أن تبدأ في معالجتها.
من دون شك ليس هناك من يحب وجع الرأس غير أن الاهتمام يأتي من إحساس البعض بـ«الفراغ» أو شعور الغالبية بأن الخطر بات يقترب منهم أكثر فأكثر، ما يجعلهم يتفاعلون مع كل القضايا المطروحة إلى حد الجدل.
بعض الجدل صحي، كتصدي مختصين للحديث عن صلاحيات حكومة «تصريف الأعمال»، انطلاقا من أن المطلب كان دائما بضرورة تدخل أصحاب الاختصاص لإبداء آرائهم حيال ما يعترضنا من قضايا.
غير أن أغلب من يتحدثون عن شكل الحكومة المقبلة يتناولونه بعموميته، دون الغوص في التفاصيل، ما قد يجعل أي تشكيلة حكومية مقبلة مثار تندر العامة.
على العموم، ليس من وظيفة العامة بحث التفاصيل، بل هي منوطة بمن يطرحون أنفسهم كخاصة من الذين عليهم الاشتباك مع المشهد السياسي لتقديم للجمهور تصورات منطقية لشكل الحكومة وهويتها، بل لكل ما يعترضنا من أزمات.
لذا فإن الفراغ الذي قصدناه، يكمن في أن الساحة تكاد تكون خالية من أصحاب التصورات السياسية ممن لديهم القدرة على استشراف المستقبل والبحث عن الحلول الواقعية دون التوقف فقط عند حدود التشخيص؛ فتشخيص أزماتنا بات معلوما للجميع ولا حاجة لإعادة صياغته أو الحديث فيه من جديد.
وهذا من صميم عمل الأحزاب السياسية والشخصيات كالتي تبوأت ذات يوم منصبا سياسيا أو تنفيذيا، غير أن مثل هؤلاء يغيبون تماما في الأزمات ولا تكاد تستمع منهم إلى رأي حصيف إلا نادرا.
هذا فضلا عن أن لا جذور عميقة لدينا في العمل الحزبي، فالأحزاب لم تطور من أدواتها لتكون متجذرة في الحياة السياسية والتفاعل الحقيقي مع الحدث اليومي، بل إنها اليوم بدلا من أن تنبذ الكوتات ما صنف منها على أنه تمييز إيجابي أو سلبي، فإنها طالبت أو كادت بكوتا تسهّل عليهم الجلوس تحت قبة البرلمان.
لذلك، قد لا تصدف نائبا سابقا اشتبك مع المشهد وهو خارج سور مجلس النواب، لماذا؟ لأن الغالبية منهم لم يكن في يوم من الأيام سياسيا، ولم تشر سيرهم إلى ممارسة أي عمل سياسي قبل مقعد النيابية.
بالتالي، فإن واقعا سياسيا مثل هذا يقحم العامة للانشغال في توقع شكل الحكومة المقبلة وهويتها أو لأي الملفات تتصدى لها، فلو كان الواقع على عكس ذلك حيث أحزاب فاعلة وإئتلافات عميقة في طرحها وشخصيات موثوفة وسياسية في منطقها فلن تجد من هو مضطر لجلب الصداع إلى رأسه باحثا في قضايا من المفترض أن يتصدى لها غيره من الذين ذكرناهم آنفا.
لذلك، فإن استمرار عمل الإصلاح السياسي ضرورة لا غنى عنها إن أردنا تطوير حياتنا السياسية وتجاوز الفوضى التي نعيشها، وغير ذلك سيظل الصداع يضرب رؤوسنا جميعا، والعامة يأخذون دور من يفترض أنهم خاصة.