الأمير الحسن يكتب.. على عتبة المئوية الثانية للدولة
الحسن بن طلال
يتزامن احتفالنا بعيد ميلاد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين هذا العام، مع بدايات احتفالات الوطن بدخول المئوية الثانية للدولة الأردنية وذكرى النهضة على مدى القرن الماضي المليء بالأحداث المصيرية (1921-2021). وهذا التزامن بين عيد ميلاد القائد وأعياد الوطن، يوحد تهانينا لجلالة الملك ولأردننا الغالي معا، بأن يجعل الله جل وعلا الأيام القادمة أيام فكر وعمل وإنجاز، إنه سميع مجيب، وبعد،
نقفُ على عتبة المئوية الثانية من عمر الدولة الأردنية، وهو حدث استثنائي لا يمر في حياتنا أكثر من مرة، فقد مرت عشرة عقود طويلة على تكوين إمارة الشرق العربي، وهي مدة كافية تعطينا فرصة القراءة الواعية لمفاصلها، لتقييمها أولا، والتخطيط الواعي لتثبيت أقدامنا في المئوية الجديدة للدولة، ونحن في إقليم مضطرب، وعالم سريع التغير، ليكون عبورنا إلى هذا الزمن الجديد آمنا، ولنعيد تعزيز دعائم الدولة بمعايير الحداثة والأصالة معا، وابتداء لا بد من تحديد المفاصل الآتية:
– ما هي الدولة التي نريد للمئوية الثانية؟
– وما هو المجتمع الذي نُخطط له في المئوية الجديدة؟
– وبالتالي، ما هي المؤسسات التي نُقيمها ونطورها في ظل إطار تشريعات عصرية قابلة للثبات والتجدد؟
– وأخيرا، ما هو خطابنا المحلي والإقليمي والعالمي للمئوية الثانية؟ ومن الذي يمكنه صياغة مثل هذا الخطاب القابل للتوازن بين هذه الدوائر الثلاث، ونحن في عالم التكنولوجيا والحداثة التي تصل حد سرعة الضوء؟ النُخب أم العلماء أم أصحاب القرار أم الجيل الشاب الذي يملك مفاتيح العصر القادم؟
الركائز والهوية أولاً:
تعد إمارة الشرق العربي من أقدم الدول التي قامت في الإقليم على أرض الدولة العثمانية المنهارة بعد المملكة السورية، وتأسست في فترة قلقة وصعبة، فقد انتهت الحرب العالمية الأولى قبل أقل من ثلاثة أعوام، وانهارت مع نهاياتها إمبراطوريات ودول، وتفتتت الدولة العثمانية لدول جديدة، ورسمت الدول المنتصرة مصير الشعوب والعالم الجديد بخرائطها واتفاقياتها السرية والمعلنة، وفي الوقت الذي نجح فيه العرب في إعلان نهضتهم، كانت الحركة الصهيونية تنفذ خطتها المرسومة بزيادة حركة الهجرة إلى فلسطين بدعم الدولة المنتدبة بريطانيا، وقد أح?طت فرنسا بصراع النفوذ بينها وبين بريطانيا مشروع سورية الكبرى والتكامل بين بلاد الشام، وقضت على أول مملكة عربية أقامتها دولة النهضة في سورية، فخرج الملك فيصل الأول من دمشق، في أول خطوة لتنفيذ اتفاقية سايكس–بيكو على أرض المشرق العربي، والتي شهدت تغيرا متلاحقا للقوى على أرضها، بحيث أصبحت بريطانيا وفرنسا هما اللاعبان الرئيسان في المنطقة، بموافقة أممية من عُصبة الأمم. في ظل هذه المتغيرات الدولية المتلاحقة، نشأت إمارة الشرق العربي على أرض شرق الأردن (كما أطلق عليها الجد المؤسس عام 1921).
شهدت منطقة شرق الأردن ما بين أعوام 1918م و1921م أحداثا مصيرية متلاحقة على أرضها، نلخصها بما يأتي:
1 – مع انطلاق النهضة العربية عام 1916م، شارك أهالي شرق الأردن في أحداثها، وانضموا لجيش الشمال مع الأمير فيصل بن الحسين، وقد سجل الأمير زيد بن الحسين في مذكراته أعداد المشاركين في الجيش من أهالي شرق الأردن ممن ساروا مع الجيش العربي من العقبة حتى دمشق، وكانوا بالآلاف، وقد حملوا راية النهضة العربية وفكرها وانضموا لصفوف الجيش العربي، ومنهم من تحول للخدمة في فلسطين وحرس الحدود والجيش العربي، وهم الذين سيشكلون المُكون العسكري والشعبي لدولة إمارة شرق الأردن عام 1921 لاحقا، وهو ما تحقق بتسمية هذا الجيش بـ (الجيش ا?عربي).
2 – مع نشأة الحكومة العربية في دمشق، عام 1918م أصبحت منطقة شرق الأردن جزءا من أول دولة عربية تقوم على أرض المشرق العربي، وشارك العديد من أهاليها في الإدارة مع الأمير فيصل، ويُسجل لنخبةٍ من رجالها مشاركتهم في المؤتمر السوري عام 1920م في دمشق مندوبين عن الأهالي، حيث تم تنصيب الملك فيصل الأول ملكا على سورية في الثامن من آذار تحقيقا لدعوة الشريف الحسين بن علي (ملك العرب) بإقامة دولة الوحدة العربية على أرض المشرق العربي، وكانت مطالب رجالات المؤتمر السوري هي الركيزة التي كونت خطاب دولة الإمارة بعد أشهرٍ من انهيا?ِ مملكة سورية، وهو الخطاب الذي أجمعت عليه كل الفئات والنخب في بلاد الشام.